U3F1ZWV6ZTM2OTAzOTA2MzQ1ODYwX0ZyZWUyMzI4MjE3NTIzNTUyOA==

البيئة المغربية والتحديات الكونية الحالية

تمهيد:
       لقد أصبح مشكل البيئة في عصرنا من القضايا الدولية الكبرى، كما أصبح مطروحا أكثر من ذي قبل بسبب بروز ظواهر إيكولوجية من شأنها أن تتسبب في كوارث للبشرية و لجميع الكائنات الحية.
و البيئة كمفهوم تعني النظام الفيزيائي و البيولوجي الذي يعيش فيه الجنس البشري و باقي الكائنات الحية و يشمل عناصر الطبيعة غير الحية من ماء، هواء و تربة. و إذا قلنا أن هذا المشكل بات مطروحا فذلك من خلال الأخطار التي تتعرض لها البيئة منذ الحرب العالمية الثانية أي منذ تفجير القنبلة الذرية في هيروشيما اليابانية، ثم هناك التزايد المهول لساكنة العالم: أكثر من ستة ملايير كائن يلوثون البيئة.

       في المقابل نلاحظ التعبئة العامة بخصوص هذا الموضوع، حيث نجد أن الحكومات و الأحزاب السياسية و العلماء و الكتاب أصبحوا يشعرون بأهمية البعد الجيوسياسي للمشكل، كما أصبح للإعلام دورا بارزا في توعية المجتمعات بالأخطار التي أصبحت تصيب الطبيعة و التوازن البيئي. غير أن المشكل المطروح هنا هو أن جميع المساعي الدولية لضمان بيئة سليمة لبني البشر غالبا ما يصطدم بجهود معاكسة ناجمة عن تضارب المصالح الاقتصادية لبعض الجهات.
البيئة في المغرب:
       منذ مشاركة المغرب في قمة الأرض بريو ديجايرو سنة 1992، لم يتوقف هذا الأخير عن العمل من أجل التوفيق بين مفهومي المحافظة على البيئة و التنمية المستدامة. لقد نتج عن هذا الالتزام  وعي عام بمشاكل البيئة و وضع سياسات منسجمة بهدف حلها. و أنجزت أعمال ملموسة من أجل تدبير أفضل للموارد الطبيعية ومحاربة أقوى للتلوث و تحسين مستمر لظروف عيش المواطنين.
 المظاهر العامة للوسط الطبيعي بالمغرب:
 معطيات جغرافية و اقتصادية:
       في أقصى الشمال الغربي من القارة الإفريقية يمتد المغرب على مساحة 710850 كلم مربع تضاريسه في غاية التنوع من السهل إلى السلاسل الجبلية مرورا بالصحراء و الهضاب العليا، مما يزيد البلد و يضفي عليه تنوعا كبيرا في التربة و المناخ و الأنظمة البيئية.
 حالة البيئة بالمغرب:
       تخضع البيئة في المغرب لإكراهات  قوية يسببها أساسا النمو الديمغرافي و التمدين و ضرورات التنمية الاقتصادية. هذه الإكراهات التي تضاف إليها التقلبات المناخية و ندرة الموارد الطبيعية.
لقد قدرت تكاليف تدهور البيئة عام 1995 بما يناهز 20 مليار درهم سنويا، أي 8,2 بالمائة من الناتج الداخلي الإجمالي. هذه الأرقام تخص بالأساس التكاليف الإضافية لمعالجة الماء الصالح للشرب و الخدمات الطبية لعلاج الأمراض المائية و المعدية و التنفسية الناتجة عن التلوث و الوفيات المبكرة التي تنتج عنها. تحد هذه الوضعية من القدرة على تدبير التنمية.
v  التلوث الهوائي: ينتج في المغرب أساسا عن الصناعة، من حركة السير و تأتي 56 بالمائة من الغازات المسببة للاحتباس الحراري من قطاع الطاقة. و يتركز التلوث الهوائي بالأساس في محور المحمدية-أسفي.
v  تلوث المياه: تتعرض الموارد المائية لتلوث بسبب تفريغ المقذوفات الصناعية والمنزلية دون معالجة مسبقة و بسبب الاستعمال المكثف للمبيدات و الأسمدة ومطارح النفايات التي ترتكز غالبا على ضفاف المجاري المائية. علاوة على دلك تعرف هذه الموارد ندرة متزايدة بسبب قلة التساقطات المطرية و التدبير غير العقلاني للإمكانيات المائية (ضياع 35 بالمائة من الماء في شبكات التوزيع  و ضياع ما يزيد عن 50 مليار متر مكعب من الطاقة الاستيعابية للسدود بسبب التو حل، و تدهور جودة المياه الجوفية بسبب تسرب مياه البحر و الإفراط في الاستغلال و التلوث...)
v  تدهور حالة التربة: 8,2 هكتار من أصل 22,7 مليون هكتار من الاراضي صالحة للزراعة منها18 بالمائة تستدعي اتخاد تدابير صارمة لحماية التربة. 13,5 مليون هكتار لا تصلح إلا كمراعي و غابات و 11 مليون هكتار يجب أن تستثنى من أي استثمار فلاحي. و نظرا للممارسات الفلاحية غير الملائمة بلغت مساحة الأراضي المهددة بالملوحة المفرطة حوالي 500 ألف هكتار، بينما ما يفوق 37 ألف هكتار من الأراضي المسقية تضررت بحدة من جراء هذه الظاهرة. كما أن التعمير عندما يكون غير مراقب، يشكل هو الآخر سببا في ضياع أراضي فلاحيه في المناطق المحيطة بالتجمعات السكنية.
v  انجراف التربة و زحف الرمال: تسبب التعرية المائية فقدان 20 ألف هكتار من الأراضي سنويا لخصوبتها و لطبقتها القابلة للزراعة، إذ أن ما يزيد عن 11 مليون هكتار من الأراضي في الأحواض المنحدرة فوق السدود معرضة لأخطار كبيرة بالانجراف. وفي المناطق الجافة و شبه الجافة تعد الرياح عاملا في التصحر و تنقل الكثبان الرملية. و قد بلغت الخسائر الناجمة عن زحف الرمال في واحات المناطق المتاخمة للصحراء نسبا كبيرة.
v  اجتثات الغابات: تتعرض الغابة لمختلف أنواع التدهور الذي يتجلى في تراجع يبلغ 31 هكتارا في السنة. فالاكراهات التي تضغط على الأنظمة البيئية الغابوية كثيرة و متعددة، أهمها ارتفاع الطلب على المنتجات الخشبية بفعل النمو الديمغرافي و استغلال خشب التدفئة الذي يقدر بثلاث أضعاف القدرة التجددية للغابات، و الاستغلال المباشر للأراضي من أجل الزراعة، و الإفراط في الرعي في المناطق الغابوية و الحرائق و توسع المدن على حساب المجال الغابوي.
v  تراجع التنوع البيولوجي: يشتمل النظام النباتي المغربي على ما يقارب 7000 نوع مصنفة، منها 1350 مسوطنة. كما تتميز المنظومة الحيوانية هي الأخرى بالغنى المتمثل في ازيد من 24000 نوع، غير أن هذا التنوع البيولوجي مهدد بالاستغلال المفرط للموارد و اجتثات الغابات و التعمير و ضياع المناطق الرطبة و التلوث. فهناك العديد من أنواع النباتات و الحيوانات المهددة بالانقراض من بينها 1670 نوعا نباتيا و 610 حيوانيا تشمل 85 نوعا من الأسماك البحرية و 98 نوعا من الطيور.

2- سياق تدبير البيئة في المغرب:
       الإطار المؤسساتي و القانوني: منذ 1972 تحققت خطوات مهمة في اتجاه تقوية الإطار المؤسساتي فيما يتعلق بالتدبير البيئي، توجت بإنشاء قطاع وزاري قائم بداته يلعب دور المحفز للعمل العمومي في هذا الميدان، و تأسيس المجلس الوطني للبيئة لتوحيد و تنسيق جهود جميع الاتجاهات الهادفة إلى المحا فضة على البيئة و الموارد الطبيعية.
       يعد تقادم و عدم كفاية الترسانة القانونية من بين الأسباب التي يحتج بها على العموم لتفسير تدهور حالة البيئة في المغرب، علاوة على ذلك يعاني الإطار القانوني في هذا المجال من تعدد النصوص و التناقضات التي مردها إلى تنازع الاختصاصات بين مختلف هيئات التدبير و غياب التدابير التحفيزية إلى جانب عدم تحيين قيمة العقوبات الردعية.
الخطوط التوجيهية للسياسة البيئية بالمغرب:
يمكن تلخيص محاور الاستراتيجية الوطنية لحماية البيئة كما يلي:
المعرفة:
ü    وضع نظام معلومات و بيانات حول البيئة
ü    إنشاء شبكة وطنية للمراقبة و الاندار
ü    صياغة تقارير دورية حول وضعية البيئة
التقنين:
ü    تحيين الاطار القانوني الوطني
ü    تدارك التغرات الموجودة في هذا المجال
ü    تضمين مقتضيات الاتفاقيات الدولية في التشريع الوطني
التحفيز:
ü    وضع آليات تحفيزية مالية و ضريبية
ü    وضع تصور لأنشطة نمودجية و تنفيذها
ü    تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص و المنظمات غير الحكومية و الجهات المحلية
ü    تقوية التعاون الدولي لنقل أفضل للمعرفة و المهارات
التحسيس:
ü    إرساء أسس أخلاقيات بيئية على جميع المستويات
ü    إدخال الثقافة البيئية في البرامج التربوية
ü    تعبئة المجتمع من أجل عمل جماعي.
طرح أزمة البيئة:
       إلى حدود الثورة الصناعية كانت الطبيعة تشكل عدوا للإنسان الذي يعيش في محيط متأثر بتغيرات المناخ و بالكوارث الطبيعية، لكن ابتداء من القرن 19 و خاصة 20 سيحدث العكس أي أن الإنسان سيصبح عدوا للطبيعة نتيجة التقدم الصناعي و التكنولوجي حيث أصبح الإنسان غير قادر على التحكم في تقنيات ابتكرها بنفسه كما أصبح يشعر بنتائجها الخطيرة.
       يعتبر مشكل إضرام النار في الغابات في عدة جهات من العالم مشكلا مقلقا، ففي أمريكا اللاتينية نجد آلاف الهكتارات من الغابات قد تم إحراقها في منطقة الأمازون و في إفريقيا و مدغشقر اختفت 80 بالمائة من الغابة الأصلية أما في أوروبا فإن 70 بالمائة من المساحة الغابوية قد ثم القضاء عليه.
       كما يطرح كذلك مشكل ثقب الأوزون و الذي يعد من أخطر المشاكل المطروحة بيئيا لما لطبقة الأوزون من أهمية في حماية الكرة الأرضية من الأشعة الضارة.
النتائج الأساسية المحققة منذ 1992:
v    دعم التنمية المستديمة: في أعقاب مؤتمر ريو أخدت تتبلور نظرة شمولية و مندمجة حول مشكل التنمية المستدامة مع صياغة برامج تضع في عين اللإعتبار مجموع العوامل الإقتصادية و الإجتماعية و الطبيعية و التقنية و السياسية لمواجهة متطلبات إعادة تأهيل الأوساط الفقيرة من أجل مقاربة تشاركية.
v    مشروع الأولويات الاجتماعية: يرمي هذا المشروع لتحقيق التنمية الاجتماعية من أجل دعم التمدرس و محو الأمية و بناء المستوصفات القروية و إنجاز أوراش تضامنية لخلق فرص الشغل.
v    برامج التنمية البشرية المستديمة و مكافحة الفقر: أنجز في شراكة مع برنامج الأمم المتحدة للتنمية، يرمي لتجسين مدخول السكان بفضل مشاريع منتجة بمشاركة السكان المعنيين.
v    مكافحة تلوث الهواء: لا تساهم انبعاتات الغازات الدفيئة و المواد التي تفقر طبقة الأوزون قي المغرب إلا مساهمة ضعيفة في الضغوط الممارسة على البيئة. و بالمقابل يعتبر التلوث الجوي المحلي المشكل الأساسي الذي تعاني منه التجمعات السكانية الكبرى و المناطق الصناعية. و تقدر تكلفة تدني جودة الهواء ب 1,9 بالمائة من الناتج الوطني الإجمالي (جراء نقص المردودية, الأمراض التنفسية, حالات الوفاة...)
v    برامج مراقبة جودة الهواء: ثم تزويد بنيات متخصصة و لاسيما المختبر الوطني للبيئة و المختبر العمومي للتجارب و الدراسات و مديرية الأرصاد الجوية الوطنية، بالوسائل العصرية للتحليل و التجسيم. كما أنشئت محطات ثابتة لقياس تلوث الهواء.
v    استعمال المحروقات النظيفة: في سنة 1970 كانت نسبة 90 في المائة من العربات في المغرب تستعمل البنزين، بينما تراجعت هذه النسبة ل 53 قي المائة بالتوجه لاستعمال محروقات أقل تلويثا من الغازوال، و يتعلق الأمر بالبنزين بدون رصاص الذي انتقل من 9800 طن إلى 26000 طن بين 95 و 98, و كذا وقود غاز البترول المسيل.
v    تحسين حركة السير: ثم القيام بمجهودات مهمة من أجل تيسير حركة السير في المدن و تفادي الازدحام و التلويث.
v    استعمال الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء: تساعد وفرة الأشعة الشمسية في المغرب على استعمال هذا النوع من الطاقة. فتمثل المنشآت الوطنية للطاقة الشمسية الضوئية أزيد من 4000 كيلو واط.
v    و يبلغ عدد المنازل المجهزة بمعدات الطاقة الشمسية الاستعمال الشخصي ما يزيد عن 75000 منزل.
v    المحافظة على التربة: تعتبر الأراضي المغربية هشة على العموم باستثناء السهول الغربية الكبرى. و تخضع التربة لضغط كبير من طرف الساكنة إذ أن الهكتارات من المساحة الفلاحية الصالحة للزراعة لكل شخص في تراجع مستمر منذ الستينات.
و أمام هذا الوضع بدلت السلطات العمومية جهودا متواصلة لفائدة التنمية الفلاحية عموما و المحافظة على الموارد من التربة خصوصا. و يعتبر المخطط المديري للتشجير برنامجا طموحا يهدف لإيجاد جواب مستديم للحاجيات من خشب, تجديد الغابة و حماية التربة.
v  مكافحة التصحر: شملت أشغال مكافحة التصحر مساحات هامة بغرس أشجار مثمرة و إنجاز تشجير وقائي و أشغال الإرتشاح (حواجز) و الأحزمة الحجرية.
v  المحافظة على التنوع البيولوجي: لمواجهة التدهور و الأخطار التي تهدد التنوع البيولوجي و للوفاء بالتزامات المغرب في إطار اتفاقية التنوع البيولوجي، ثم إنجاز العديد من الأعمال و تواصل أخرى:
إنشاء اللجنة الوطنية حول التنوع البيولوجي.
إنجاز دراسة حول المناطق المحمية التي حددت و ثم تقييم المواقع ذات أهمية بيولوجية أو بيئية لتعزيز الشبكة الوطنية للمناطق المحمية.
إنجاز دراسة حول التنوع البيولوجي التي سمحت بتقويم إجمالي للتنوع البيولوجي بالمغرب مع جرد للأنواع المعروفة.
إنشاء المجلس الأعلى لحماية و استغلال الإرث البحري.
v  تدبير النفايات: في الوقت الذي تتطور فيه الجهات و تكتسب الساكنة وعيا بتدهور بيئتها, يتأسس تلازم  وثيق بين تدبير النفايات و جودة البيئة. فالمشاكل المرتبطة بالنفايات أخدت تكتسي بعدا وطنيا مما دفع بالمسؤولين للتفكير في عدة مشاريع أهمها تجارب التسيير المفوض لتدبير النفايات في عدة مدن كبرى.
الآفاق المستقبلية:

       توجت الدورة السابعة لمؤتمر الدول الأطراف في الإتفاقية الإطار الأمم المتحدة بشأن التغيرات المناخية المنعقدة قي المعرب سنة 2001 باتفاقية مراكش التي فتحت الباب أمام تطبيق مقتضيات بروتوكول كيوتو حيث تمنح آلية التنمية النظيفة فرصة تشجيع المشاريع القابلة للتنفيذ من الناحية الاقتصادية و التي تسمح بتقليص انبعات الغازات الدفيئة. و تعتبر خطة العمل الوطنية للبيئة التي تمت صياغتها بدعم من برنامج الأمم المتحدة للسكان، الإطار الإستراتيجي الذي يسمح بتحديد و تصنيف الأولويات في التخطيط لندبير الموارد الطبيعية و إرساء التنمية المستدامة.

البيئة المغربية والتحديات الكونية الحالية.Doc




تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة