إن ظاهرة الاقتصاد غير المهيكل أو القطاع
الغير المهيكل عرفت ازدهارا كبيرا في العقدين الأخيرين من القرن الماضي نظرا لتطور
الحياة بشكل عام وظهور حاجة مجموعة من الأشخاص إلى تأميم وسائل عيشهم من خلال
الاقتصاد السري، بل إن الأمر لا يقف عند هذه التحولات إذ أصبحت هذه الظاهرة تنتشر
في الشركات الصغرى والمتوسطة التي تقوم بالعمل في الخفاء من شراء بضائع ومعدات
والآلات.....بغية عدم تقديم تصريحات للإدارة الجبائية وبالتالي التهرب من أداء
الضريبة .
هذا وقد أعطيت مجموعة من التعاريف لهذه
الظاهرة، فهناك من اعتبرها تشكل نوع من الاقتصاد السري، ثم هناك من اعتبرها
بالاقتصاد الموازي، وغير الرسمي والأسود، وغير المهيكل أو غير المنظم.
وعليه فالاقتصاد غير المهيكل رغم
التسميات العديدة التي أعطيت عليه، ينصب أساسا على مجموع الدخول المتأتية من عمل،
سواء كان هذا العمل تجاري أم مدني والذي لا يتم التصريح به إلى الإدارة الجبائية،
أو عن طريق التصريح بدخول وإخفاء الدخول الأخرى المتأتية من الاقتصاد غير المهيكل.
ثم هناك الوجه الآخر للاقتصاد غير
المهيكل، يتمثل في ممارسة نشاط إجرامي كما هو الأمر بالنسبة لتجارة المخدرات
والتهريب والأعمال التي يقوم بها أشخاص غير مؤهلين لممارستها.
ويختلف هذا النوع من الاقتصاد الغير المنظم
من دولة إلى أخرى، إذ يكون في الدول المتقدمة أداة للتهرب من أداء الضرائب وعدم
تحمل العبء الضريبي المفروض عليهم، كما يعتبر رد فعل سلبي من طرف الأشخاص الملزمين
بالضريبة على ارتفاع الضغط الجبائي، أما في الدول النامية مثل المغرب أصبح فيها
الاقتصاد غير المهيكل وسيلة للإنتاج والعيش بل أصبح مسألة شبه رسمية تهم المقاولات
الصغرى والمتوسطة.
وهناك من يرى أن الاقتصاد غير المهيكل هو
مجموع الأعمال والأنشطة المزاولة دون تصريح رسمي من المعنيين بها سواء كانوا أشخاص
طبيعيين أم معنويين أي أن الممارسين في هذا المجال، لا يقدمون تصريحات للإدارة
الجبائية ولا للمصالح العمومية الأخرى كمنظمات الاحتياط الاجتماعي وغيرهما من
المصالح التي يفرض القانون التسجيل بها .
ولا يخفى على أحد أن بعض المؤسسات في هذا
الإطار، رغم جميع الإجراءات القانونية التي تقوم بها إلا أننا نجد في بعض الأحيان
أن هناك مؤسسات أو مقاولات تقوم بتشغيل أجراء دون التصريح بذلك إلى الإدارة
الجبائية، وإلى منظمات الاحتياط الاجتماعي بغية التهرب من الضريبة، وهذا واقع يجب
إعادة النظر فيه لأن التصريح لإدارة الضرائب بعدد الأجراء فيه مصلحة للمقاولة
وللدولة أيضا
والاقتصاد غير المهيكل يعتبر كنقيض للاقتصاد
المنظم، إذ تحول إلى ما أصبح يطلق عليه بالاقتصاد السري الذي يمكن أن يقوم على
أنشطة مشروعة أو غير مشروعة مما يطرح ذلك أزمة على مستوى السياسة الاقتصادية
للدولة، التي تعاني من عجز على مستوى ميزانيتها نتيجة عدم تضريب هذا القطاع، الشيء
الذي يبين انتفاء الإرادة السياسية للدولة في عدم توسيع الوعاء الضريبي ليشمل
القطاع غير المهيكل، فرغم الإصلاحات الجبائية المتعاقبة التي شهدها المغرب منذ سنة
1957 لازال هناك قطاع تحرم منه الخزينة العامة، ألا وهو القطاع غير المهيكل.
ولكن نرى في المقابل أن القطاع غير المهيكل
يشكل وسيلة للعيش من طرف عدة عائلات، خاصة وأن المغرب كدولة نامية يوجد فيها عدد
كثير من الأشخاص، الذين يعيشون في ظل هذا الاقتصاد بل أحيانا يشكل مصدر رزقهم،
والذي يعكس هذا الواقع هو تفشي ظاهرة البطالة والهشاشة الاجتماعية خاصة في المدن
الكبرى كمدينة الدار البيضاء.
ومن جهة أخرى يشكل الاقتصاد غير
المهيكل نسبة 50 % من مجموع الأنشطة الاقتصادية الوطنية، لكون جل هؤلاء
يبحثون عن موارد لتغطية نفقاتهم اليومية، ولكن الحقيقة تبين أن تضريب الاقتصاد غير
المهيكل يطرح عدة إشكاليات منها ما يتعلق بصعوبة تشخيص القطاع الموازي نظرا لقلة
دراسات نظامية ودقيقة شاملة حول هذا القطاع ومنها ما يتعلق بالطبيعة التي
يتسم بها هذا القطاع وهي عدم الاستقرار والثبات مما يصعب إحصاء ومراقبة الأشخاص
الذين يمارسون عملهم في هذا القطاع، أضف إلى ذلك أنه يحتوي على مجموعة من الأنشطة
كالعمليات التي يقوم بها التجار من شراء سلع مهربة والعمليات التي يقوم بها أشخاص
بإدخال بضائع بصورة غير شرعية.
وتأسيسا على ما سبق فالقطاع غير المهيكل
أصبح يغطي فئة واسعة من الأشخاص مما يجعل الدولة تفكر في نهج سياسة اقتصادية تراعي
هذه الفئة لتساهم هي أيضا في التنمية ولعل المبادرة التي قامت بها مديرية الضرائب
تعتبر مهمة جدا، إذ قامت بالتعاون مع مجموعة من الإدارات العمومية التي يعنيها
الأمر بوضع حل لهذا المشكل من خلال اتخاذ مجموعة من التدابير لتضريب هذا القطاع
بشكل مقنن ومنظم، ويتأتى ذلك من خلال إحصاء المكلفين بالضريبة والأملاك العقارية
والأنشطة الصناعية والتجارية في كل سنة، كما تم الاتفاق على وضع رقم ضريبة
الباتنتا فيما يخص الأشخاص الذين يمارسون الأنشطة الصناعية والتجارية وإجبارية
التعامل بالفاتورة مع تضمينها رقم الباتنتا لكل الأشخاص الذين يقومون بعمليات
التوريد.
إرسال تعليق