U3F1ZWV6ZTM2OTAzOTA2MzQ1ODYwX0ZyZWUyMzI4MjE3NTIzNTUyOA==

الجغرافيا بين التعليم والتدريب

مقال للدكتور: مـضـر خـليل العـمـر
للنشر في موقع الجغرافيا التطبيقية
راسلنا على
admin@geopratique.com

مقدمة
الحس الجغرافي رفيق الإنسان منذ بدء الخليقة، فإنسان العصور القديمة قد اهتم في تحديد أماكن وجود الحيوانات التي يصطادها، ورسم مواقع تواجدها على جدران الكهوف. لقد شاهد الواقع و وثق الحقائق التي عرفها على جدران الكهوف. انه أول توثيق تاريخي جغرافي علمي يعمله الإنسان. ومع ظهور المدن و الدول، كانت الرحلات التجارية وسيلة لجمع المعلومات عن الأماكن الأخرى. كذلك كانت الغزوات والحروب ورحلات طلب العلم والحج، جميعها رحلات مزدوجة الغرض، هدفها غير المعلن جمع المعلومات ونقل صورة عن المشاهدات في العالم الآخر. وقد امتزجت الحقائق مع الخيال والخرافات والأساطير، وصيغت قصص شيقة يجتمع لسماعها الكبار و الصغار. وكانت المشاهدة الميدانية هي الوسيلة الرئيسية لجمع المعلومات الجغرافية.





تبقى غريزة الاكتشاف (الفضول) دفينة في حنايا الإنسان تبرز مع كل طارئ ومستجد، ومع كل تبدل يحدث في الواقع المألوف لديه. وهذه الغريزة فطرية تولد وتنمو معه، فالطفل يألف غرفته ولا يتقبل الجديد بسهولة. وبمجرد تعلمه الزحف يتحرك نحو الأشياء التي كانت تثير فضوله و ممنوعة عليه ليكتشفها بنفسه. فهو ينظر تحت السجاد و الوسائد و الكراسي و خلفها بحثا عن لا شيء وعن كل شيء. انه يريد أن يتعرف على البيئة المحيطة به بنفسه دون تدخل من احد.
وقد نظمت الدول منذ الأزل عمليات المسح الميداني واكتشاف المناطق الأخرى، الإغريق، الرومان، رحلات الفايكنك، حركة اكتشافات العالم الجديد ومجاهل إفريقيا ومنابع النيل. وكان الخراج يجمع على أساس مسح ميداني، وكذلك تحدد مواقع المدن والأمصار والآبار. وبعد الحرب العالمية الثانية، ونتيجة التوجهات التطبيقية في العلوم المختلفة، ولغرض مسح الموارد الطبيعية والبشرية وأعمار ما دمرته الحرب والتبادلات الحاصلة في التقنيات الإنتاجية والطاقة المستخدمة، ومن اجل رسم وتنفيذ السياسات التنموية فقد أصبح المسح الميداني ركيزة للعمل العلمي والمهني يجب التدرب على استعمال تقنياته. وعلى هذا الأساس أدرجت مادة الدراسة الميدانية ضمن مفردات ومتطلبات المناهج الدراسة وعلى مختلف المستويات نزول الإنسان على سطح القمر هدفه اكتشاف جوا من الأرض؟ اكتشاف مالا يمكن رؤيته من على سطح الأرض ؟ وما الهدف من تطوير تقنيات التحسـس النائي(الاستشعار عن بعد) ألا تأكيدا على هذا ؟ لنتعلم تقنيات اكتشاف الحقائق التي نعيش في كنفها ونراها يوميا دون ان ندركها ؟ لنتعامل مع العالم الداخلي والخارجي بحس جغرافي فطري مؤطر بالأسس النظرية التي حفظناها دون ان نعي معانيها او أهميتها لحياتنا اليومية.
ففي بريطانيا أوجدت وزارة التربية مراكزا اقليمية يسعى اليها الطلبة لتنفيذ برامج دراسية ميدانيا سواء في الجغرافيا او علوم الحياة او الجيولوجيا او التربة. وعلى الرغم من ان الوظيفة الرئيسية للمراكز الميدانية هي توفير السكن و تسهيلات العمل الميداني للطلبة الا انها كانت تستثمر لدراسة العديد من الموضوعات على الطبيعة خارج قاعات الدرس ( Boardman 1969). ويتم تنظيم الزيارات لهذه المراكز وفق جدول زمني معلن لا يسمح بتجاوزه. يوفر المركز جميع مستلزمات الإقامة و الدراسة الحقلية و متطلباتها من اجهزة و عدد. اضافة الى هذه المراكز، تقدم بيوت الشباب خدماتها باجور زهيدة للمجاميع التي تقوم بدراسات ميدانية في الجوار.
1. الجغرافيا و الهدف من تدريسـها
تدرس الجغرافيا الإنسان على سطح الكرة الأرضية وتفاعله المتبادل معه، أي دراسة الإنسان في البيئة التي يعيش فيها وينشط. ولا يقصد بسطح الكرة الأرضية اليابس فقط، بل كل ما يتصل به من ماء وغلاف غازي وكل ما عليه من مظاهر طبيعية و تلك التي صنعها الإنسان وكل ما يؤثر عليه. فتدريس الجغرافيا يهدف تعريف الطلبة بهذه البيئة و كيفية تحسـسها واستيعابها و التعامل معها ومع متغيراتها العديدة المتنوعة. وتبدأ العملية التعليمية بالبيئة المحلية، عادة، من مبدأ من لا يفهم ما يحيط به لا يستوعب العالم الخارجي بصورة صحيحة، ولا يفهم جغرافية العالم رغم قراءته لها في الكتب وحفظه لهذه المعلومات عن ظهر قلب. ولهذا السبب فقد حددت أهداف تعليم الجغرافيا في العديد من بلدان العالم بالنقاط الآتية:
1.      تطوير معرفة الأماكن و مواقعها و استيعابها،
2.      تطوير معرفة البيئات الطبيعية و البشرية واستيعاب توزيعها المكاني،
3.      تطوير استيعاب العمليات المؤثرة على البيئات،
4.  تطوير استيعاب العلاقة بين المجاميع البشرية من جهة، وبينها و البيئات على سطح الأرض من جهة أخرى وتنظيمها المكاني، 
5.      تطوير استيعاب مختلف المجتمعات و الحضارات،
6.  معرفة سلسلة من التقنيات وتطوير الخبرة فيها لممارسة الدراسة والعمل الميداني والبحثي ورسم الخرائط وقراءتها ومعالجة البيانات لتساعد فيفهم البيئة
7.      تطوير الإحساس بالبيئة واستيعابها
8.  تطوير استيعاب العلاقة بين القرارات التي يتخذها الإفراد ومواقعهم (المكانية و الاشتقاقية) والقيم التي يعتنقوها عن البيئة
9.      تطوير استيعاب التباين المكاني للفرص المتوفرة أمام الإنسان للعيش و العمل.
(Milner 1988 )  لاحظ ان كلمة تطوير مكررة وتعني ضمنيا وجود معرفة مسبقة قبل المدرسة، من البيت و الحي السكني، من الغريزة، ودور المدرسة تطويرها وتعميقها وفق أسـس منهجية علمية هادفة
لقد عرف البعض الجغرافيا بأنها علم البيئة البشرية  Human Ecologyوان لها طريقتها الخاصة للنظر إلى الأشياء الموجودة على سطح الأرض واستيعاب أنماطها المكانية و العمليات المؤثرة عليها. لذا فللجغرافيا منطقها الخاص بها في فهم الظواهر على سطح الأرض وتفسيرها، وبالتالي التعامل معها. ولا يتم الاستيعاب واكتساب الخبرة من خلال قراءة الكتب المنهجية في قاعات الدرس، بل من خلال تطوير مهارات معينة. فالجغرافيا تعليم و تدريب في الوقت ذاته، تعليم نظري وتدريب عملي على ممارسة التقنيات التي تساعد في ملاحظة العالم الخارجي (البيئة) و التحسـس به كوسيلة لفهمه واستيعابه، دراسة العناصر و المتغيرات المكونة لهذه البيئة و آلية عملها وتفاعلها والعوامل الداخلية و الخارجية المؤثرة عليها  والخبرة المطلوب ان يتدرب الجغرافي عليها ليفهم البيئة، ليفهم الجغرافيا بمعناها العلمي الصحيح، ولكي يتناسب تعامله معها مع قيمتها وأهميتها، هي :
ü      ملاحظة الحقائق وتسجيلها وتحليلها كميا ونوعيا (المسح الميداني وتحليل البيانات)
ü  التمثيل البياني للمعلومات و البيانات، ورسم المخططات الانسيابية و مخططات سطح الأرض ببعدين او أكثر ,
ü  قراءة الخرائط ومعرفة الرموز و المقاييس والاتجاهات، واستعمال البوصلة وخطوط القياسات المتساوية، وأشكال سطح الأرض. المطلوب قراءة الخرائط بكل أنواعها ومقاييسها بيسر كما تقرأ الجريدة اليومية،

ü  قراءة وتفسير الصور الجوية و المصورات المجسمة والربط بينها وبين أنواع الخرائط الأخرى،
ü  تفسير الأنماط المكانية والعلاقات بينها : استعمالات الأرض، النبات الطبيعي، المستقرات البشرية، شبكة الاتصالات، جميع الظواهر الجغرافية.
يستدل من هذا، ان الجغرافيا بمفهومها العلمي لا يمكن إدراكها الا من خلال الربطبين ما يدرس في قاعات الدرس من نظريات و معلومات و مع البيئة خارجها(الواقع الذي يعيشه الطالب). الجغرافيا تعلم الفرد كيف يفهم عالمه المحيط به بمنطق شمولي ونظرة نظامية تربط بين عناصر الحياة المختلفة.
وقداختلف الباحثون في تحديد : أين يبدأ تعلم الجغرافيا والإحساس بأهميتها؟ هل في قاعات الدرس اولآ ثم الميدان ؟ ام في البيئة المحلية ثم المدارس لاحقا ؟ بيتر كولد، على سبيل المثال لا الحصر، يرى ان الاطفال جغرافيون ممتازون لأن ألعابهم مليئة بالحس الجغرافي لاعتماده المكان و المظاهر الطبيعية المختلفة اساسا (Gould 1985). فالحس الجغرافي و الفضول لاكتشاف المكان (الغرفة، المنزل،...، الخ)غريزة طبيعية في الإنسان ولكنها تقتل في قاعات الدرس باعتماد طرائق تدريس جامدة لا تخرج عن اطار الكتاب المنهجي وحفظ مافيه من معلومات مسطرة بشكل نسقي عن الدول الأخرى التي لا يعرف الطفل ما هي وماذا تعني وما هي أهمية دراستها ولا كيف يستفيد من معرفته لها. الجغرافيا ليست معلومات مبوبة عن الآخرين، بل هي دراسة عناصر الحياة التي يعيشها الإنسان. ولأن متغيرات الحياة كثيرة التنوع و التعدد ومتسارعة الحركة فلا مجال لإغماض العين عنها بل معرفة موقع الفرد منها و متابعة حركتها للتمكن من التخطيط لحياة افضل
2. أهـمـيـة الـدراسـة الـمـيدانيـة
لقد كتب الكثير عن الدراسة الميدانية واهميتها، ادناه غيض من فيض :
الدراسة الميدانية هي اختبار عن قرب وتحليل ميداني لجزء من البلاد يسهل الوصول اليه لتوضيح واحد او اكثر من معطيات التباين المكاني (Wooldridge & East 1966).
ان المختبر الحقيقي للجغرافيا هو العالم خارج قاعات الدرس، وان دراسة الإقليم الأم (البيئة المحلية) هو المعيار الوحيد الذي يقاس به العالم ويفهم (Board 1965) 
ليس هناك طريقة في تعلم الحقائق افضل من الذهاب و النظر اليها كماهي وحيث تكون، وعندها تبنى المعرفة كما يبنى المنزل بالاجر و المواد الماسكة (Jones )
ان اسلوب الحصول على المعلومات الجغرافية بالملاحظة المباشرة هو اسلوب رئيسي واساسي، وليس بوسع معلم الجغرافيا الاستغاء عنه (اليونسكو، ب.ت)
هدف الزيارة الميدانية هو تعويد الطالب على ملاحظة الاشياء وتطوير خبرة الملاحظة وتفسير ما يراه(Hutchings 1962).
معظم التربويين متفقون على إن العمل المنجز في الحقل الميداني يشعل المخيلة ويحفزها لدراسة الجغرافيا في قاعات الدرس ويقود الى تعظيم الافكار الجغرافية الجوهرية (Boardman 1969) 
فعندما يدرب المعلم طلابه على الملاحظة و المشاهدة فانه يطور بذلك ملكة النقد عندهم ويعلمهم أن ينظروا الى الامور نظرة فاحصة مميزة، والا ينجرفوا في تيار الإعجاب الأعمى بكل ما يقرءوه، بل أن يفكروا بانفسهم تفكيرا يستند على الحقائق و المعلومات التي يلمسوها بانفسهم، وباختصار، ان يتفاعلوا مع هذه العناصر. وهذا الاتجاه يربي الروح التي تبعث على البحث العلمي،وتثير في الصغار الرغبة في ان يسهموا في مجال البحث العلمي في المستقبل(اليونسكو ب.ت)
الدراسة الميدانية تطور النظرة للبيئة المحلية و البلد، وتعود على التفكير بالمشاكل من اجل حلها، و وضع فرضيات و اختبارها في الميدان (Everson 1961).
الدراسة الميدانية وسيلة لاكتساب المعرفة من خلال الملاحظة واكتشاف البيئة المحلية. تتطلب الدراسة الميدانية نوعية و قدرة عقلية مختلفة عن تلك التي تطورت من خلال التعلم من الكتب و كراريس المحاضرات. إنها نوع من التعلم النابع عن الفضول لمعرفة العالم الملموس والمرئي، ويتطلب قدرة للنظر إلى ما وراء مظهر الأشياء
الدراسة الميدانية توسع دائرة الخبرة المرئية و النجاح في استيعاب الجغرافيا اعتمادا على قدرة الطالب لتشكيل الصور الذهنية عن الأماكن. بدون هذه الصور يصعب على الطالب فهم العمليات الطبيعية و التفاعلات العضوية للنشاطات البشرية. وكلما ازداد عدد الأشياء والعمليات التي يراها الطلبة يتحسن تصورهم للأخرى التي لا يستطيعون رؤيتها (المصدر السابق)
وعند تمكن الطالب من النظرة الجغرافية يصبح بوسعه اتخاذ المواقف الايجابية من العالم الممتد أمام ناظريه، مما يجعل رحلاته وإسفاره ذات فائدة تعليمية وأكثر متعة و بهجة (اليونسكو ب.ت)
حقا إن الهدف الرئيسي للدراسة الميدانية في المدارس هو اكتساب الطلبة للمفردات الجغرافية اعتمادا على الملاحظة المباشرة  (Bailey 1963).
ويتم اغناء الجانب الأكاديمي لعمل الطالب من خلال اتصاله المباشر مع الحقيقة والانغماس شخصيا بالدراسة و امتلاك هذه المعرفة، وحينها يكون أكثر قدرة على الاتصال وأكثر تقديرا وإدراكا لعمله (Jones 1968)
أفضل طريقة لدراسة الجغرافيا هي بالخروج من قاعة الدرس بدفتر ملاحظات وخارطة لتسجيل الحقائق ورسم المخططات و المقاطع و الخرائط ومن ثم تفسيرها
أن تتعلم كيف تعمل شيء يعني أن تتعلم مهارة، وهذه تكتسب وتمارس ضمن دروس الجغرافيا، وان تمزج مع معرفة الحقائق واستيعاب الأفكار و القيم. وسوف يختبر الامتحان القدرة على استعمال هذه المهارة من خلال طلب رسم خرائط و مخططات و تفسيرها وتحليل المعلومات التي جمعت ميدانيا (Milner 1988).
والتدريس المبني على المشاهدة و الملاحظة يستلزم تدريبا منتظما متصلا. ومن الخطأ أن تقتصر الملاحظة على الحقائق غير العادية و المناظر الغريبة العجيبة مهما كانت رائعة خلابة او شاعرية. ومن الخطأ أيضا ان تقتصر على اكبر الشلالات او النصب التذكارية او المعالم الهامة من كل نوع. فالأمور التي يتوجب على المدرس ان يؤكدها هي الأشياء العادية والمناظر التي يراها الطالب في حياته اليومية مهما كانت مألوفة. وباختصار، يجب تخطي حدود الملاحظة الضيقة، وتحاشي إعطاء الطالب الجغرافيا على شكل (كتاب دليل) بل توجيه الانتباه الى الملامح المميزة للمناظر الطبيعية وما يقع في مؤخرتها (اليونسكو ب.ت
يحفز العمل الحقلي جميع الطلبة لأنه يحول العمل الى لعب و التعاون الى تعلم
يؤدي العمل الحقلي الى صداقة وصلة غير رسميه بين المدرب و المتدرب، وهذا بدوره يوصل الى أفضل النتائج في الدراسة الميدانية وذلك لأنها خبرة مشتركة بين التدريسي و الطلبة (Boardman 1969)
3. مـاذا يدرس الطـلبـة مـيدانـيــا ؟
لتشعب الموضوعات التي يدرسها الجغرافي، و للتباين الكبير في اهتمامات الجغرافيين و خبراتهم في العمل الحقلي، فقد تنوعت مقترحاتهم وأرائهم. ولا ننـس تنوع البيئات المحلية التي يسهل الوصول إليها بأقل التكاليف واثرها على اختيار برنامج الدراسة. في هذا المبحث تستعرض بعض المقترحات دون تشذيب او تحوير للتعريف بها ولإعطاء فرصة اختيار المناسب منها.
مقترح بوردمـانعرض بوردمان برامج الدراسة الميدانية في ثانويات بريطانيا موضحا ان هدف الدراسة الحقلية استكمال مفردات المحاضرات وطبقا لمستوى الطلبة و قدراتهم العقلية. فطلبة السنة الأولى ثانوي يعطون ممارسة أولية لقراءة خارطة بسيطة في المحيط المجاور للمدرسة واستيعاب مقياس الرسم و القدرة على توجيه الخارطة. وفي السنة الثالثة، تستثمر المظاهر الطبيعية المحيطة بالمدرسة والتباينات المحلية، وربط التركيب الجيولوجي بمظاهر سطح الأرض المختلفة وبنظام التصريف و مجرى النهر من حيث سرعة جريان المياه و قياس كمية التدفق ورسم مقطع للمجرى ورسم مخططات ميدانيا لمظاهر التعرية والترسيب في منعطفات النهر. كذلك قراءة خرائط اشكال سطح الارض و الصور الجوية. ويزور جميع طلبة السنة الثالثة وما بعدها المركز الميداني سنويا. وفي بداية كل عام دراسي يصدر منشور يوضح طبيعة الدراسة المزمع القيام بها. وفي السنة الرابعة تدرس المستقرات الريفية مع زيارة احدى القرى ودراستها بتفصيل((الموقع، خطة المستقرة، المباني، الخدمات، ومقارنة ذلك مع نتائج المجاميع الأخرى التي درست قرى اخرى)). كذلك ممارسة قراءة وإسقاط استثمارات الأرض عليها بمسار يمر عبر المزارع مستخدمين خارطة بمقياس انج للميل الواحد. تدون الملاحظات الدقيقة مع التفسير العلمي للمظاهر الاساسية المشاهدة لتعطي الدراسة الميدانية حقها و قيمتها العلمية. وبعد انتهاء المجاميع من عملها، تجمع النتائج وتناقش من قبل الجميع. وهنا يتم الاستفادة من خرائط التضاريس و الجيولوجيا و المناخ و تتم مناقشة العوامل الاقتصادية من مردود وربحية وسوق وتسهيلات ونقل. وفي السنة الخامسة تدرس المراكز الحضرية ميدانيا من حيث العوامل الاقتصادية و التاريخية، مسح المباني واستعمالاتها باستخدام خارطة بمقياس  انج للميل الواحد،وتحديد النطاقات الوظيفية و مراحل نمو المدينة. كذلك تدرس خدمات النقل وحركة المرور وكثافته. وفي السنة السادسة تدرس العلاقة بين المظهر الارضي الطبيعي و المظهر الحضاري. كذلك يتم تحليل الظواهر والمشكلات و التحولات في البيئة الريفية و الحضرية مع التأكيد على التمثيل الخرائطي للنتائج والتفسير المنطقي لها (Boardman 1969).
مقترح منشـل :يرى منشل ان تدريس الجغرافيين وتدريبهم ميدانيا يجب ان يشمل انواعا مختلفة من النشاطات، مثل :-
    زيارة حقلية لملاحظة التوزيعات و مظاهر سطح الارض،
    التدريب على تقنيات الملاحظة وتسجيل الظاهرة قيد الدرس،
    الدراسة والعمل الحقلي الذي يضم النشاطات الاتية :-
ü       تسجيل البيانات على خارطة اساس ,
ü       صنع خارطة اصلية لمنطقة الدراسة،
ü       حساب تكرار الاشياء : سكان، عجلات،.....، الخ.
ü       ملء استمارة استبانة، و
ü       وضع مخططات ميدانية Field Sketching.
    جمع عينات و وثائق من الميدان.
    اختبار فرضية علمية في الميدان. (Minshull 1972).
    مقترح بيـلـيوضع بيلي برنامجا خاصا للدراسة الميدانية، يشمل
ü       دراسة شكل سطح الارض Landform مع الاساس الجيولوجي،
ü       اختيار منطقة ذات سمات طبيعية متميزة (اهوار، بحيرات هلالية، كهوف)
ü       دراسة الظهير الطبيعي للانهر او الشواطىء،
ü       زيارة منطقة صناعية او تجارية او خدمية كبيرة (محطة توليد طاقة مثلآ)
ü       مسح منطقة حضرية وتقييم بعض المعايير فيها،
ü   مسح الخصائص التاريخية للموقع المؤثرة على المنطقة من حيث الامكانات الذاتية و المشاكل
ü       دراسة مزرعة او مجموعة من المزارع. (Baily 1963).
مقترح يتـس و ربرتسنيختصريتس و ربرتسن الامر بالقول بان جميع الاقاليم يجب ان تستخدم للدراسةالميدانية وذلك بالانتقال في التعليم من المعروف الى غير المعروف. لذا يجب ان تبدأ الدراسة الميدانية حيث تقع المؤسسة التعليمية (Yates & Robertson 1968).
4. بعـض مـشـاكل الـدراسـة الـميدانيـة
كلنشاط علمي، وحتى غيره، من الضروري التفكير به و التخطيط له قبل انجازه ليحقق الهدف باقل جهد وكلفة واعلى المردودات، وتكون الحاجة الى التخطيط ملحة عندما يكون العمل جماعي وبهدف سامي. تتطلب الدراسة الميدانية في الجغرافيا الكثير من التهيئة و التنظيم، وحسب رأي بوردمان فان لهذه الجهود نتائج لا يمكن حصرها. وكل نشاط له مشاكله الخاصة النابعة منطبيعته. وما يطرح هنا بعض المشاكل العملية المعاشة عن خبرة من سبقنا فيميدان الدراسة الميدانية :-
·   أول مشكلة يواجهها الجغرافي هي اختيار منطقة الدراسة، ولتسهيل الامر يذكر بيلي معاييرا تعتمد لاختيارها :-
ü      ان تضم تنوعا في الظهير الطبيعي و النشاطات البشرية،
ü      ان تضم مستقرة اقليمية بعمر قديم نسبيا، واهمية تسمح باستخدام تقنيات الدراسة الميدانية في البيئات الحضرية،
ü      ان تكون نموذجا للظروف والاتجاهات او المشاكل السائدة في منطقة واسعة، و
ü      ان لا تكون مألوفة من العديد من الطلبة لتوفير فرصة جديدة للتعلم.
ويفترض ودرج و ايست ان تضم منطقة الدراسة الميدانية تباينا اقليميا في التضاريس والتربة والنبات الطبيعي والبناء الجيولوجي. ومن الضروري ان لا يكتفي بالتدريب على تقنيات دراسة المظاهر الجيومورفولوجية فقط، بل المظهر الاجتماعي Social Morphologyالمتمثل بخصائص المجاميع السكانية و توزيعها و البحث عن مصادر المياه وتاريخ المستقرات البشرية. ويوضحان حقيقة الجغرافيا وفلسفتها بقولهما بان دراسة اشجار الغابة لا يعني دراسة الغابة، فالغابة كل متداخل ومتشعب من الموضوعات و المفردات التي تهتم بها علوم مختلفة. كذلك الحقيقة الجغرافية فهي اكثر من الزاوية التي يدرس بها المختصون في العلوم المنفردة (جيولوجيا، تربة، مناخ، سكان، تاريخ )انها كل متكامل (Wooldridge & East 1966)
تساعد المعرفة التفصيلية بمنطقة الدراسة في تحديد طريقة التعلم الحقلي من حيث المفردات والاسلوب والتحسب للاسئلة التي قد تطرح و المشاكل التي قد تواجه الفريق. انها تجنب التدريسي الاحراجات التي قد يواجهها نتيجة جهله بالمنطقة او النقص في التهيئة وفيتوفير مستلزمات الدراسة. فالبرنامج التعليمي المخطط مسبقا وتوفير الادوات والاجهزة و المستلزمات المطلوبة مرتبطان مباشرة بالمعرفة التفصيلية بمنطقة الدراسة الميدانية. فالزيارة الأولية لها قبل اخذ الطلبة إليها أمر ضروري جدا، تتبعها جلسة مناقشة وتخطيط من قبل القائمين بالتدريب الميداني.ومن المهم جدا ان توضع بدائل عديدة لما يمكن رؤيته او عرضه على الطلبه، وبدائل لخط السير والطرائق التي تتبع لجمع المعلومات Hutchings 1962)). ومن الضروري ان يكون العمل المزمع القيام به معدا بدقة مسبقا. فيجب ان يكون واضحا عند المدرب ماذا يريد طلبته ان يعملوا وان يعرفوا و الهدف منالتدريب. عليه ان يجيب عن السؤال (( أي العوامل الجغرافية اثرت في هذاالمكان وانتجت هذا الواقع الذي يراه ؟)) (اليونسكو ب. ت.). ومن الممكن ان يجزأ العمل الى مراحل تعليمية، أي وضع اهداف ثانوية مرحلية توصل في النهاية الى تحقيق هدف دراسة المنطقة جغرافيا.
ولا تقتصر المعرفة الجيدة بمنطقة الدراسة بالقائمين بالتدريب بل تشمل سائق العجلة التي تنقل فريق العمل لضمان معرفة مداخل و مخارج المنطقة وعدما ضاعة وقت في السؤال و التجوال غير الضروري. فالمعلومات عن المنطقة يجبان تكون عامة في جانب و تفصيلية في الجوانب ذات العلاقة، كذلك في كيفية الوصول اليها.
وقت الدراسة الميدانيةغالبا ما يكون هذا في ساعات الدوام الاعتيادية، ويعني زيارة قصيرة لاماكن قريبة، وبالنهاية فائدة محدودة. او ان تكون في اماكن ابعد ولاكثر من يوم واحد ولهذه مشاكلها العديدة، مع فوائد اكثر لما تعطيه من فرص التعلم. وانالعمل الحقلي لمدة يوم واحد يجعل مساحة منطقة الدراسة صغيرة مالم تظهرفيها تباينات ونمط واضح لاستعمالات الارض.
مستلزمات الدراسة الحقليةلكلنوع من تقنيات الدراسة الحقلية متطلبات وادوات، ولكن تبقى الخارطة القاسم المشترك بين الجميع، مع فارق مقياس الرسم المناسب وموضوع الخارطة. اضافة الى توفير المستلزمات، من الضروري ان يكون التدريسي قد تعرف بشكل جيد ومارس بما فيه الكفاية على استعمال التجهيزات والعدد و الوسائل. فالدراسة الميدانية هي خبرة مضافة للتدريسي و معرفة عملية جديدة للطلبة.
----------------------------------
لتحميل المقال بصيغة Docx



الجغرافيا بين التعليم والتدريب.doc

تابعنا على Facebook




تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة